تفكك التحالفات في مجلس محافظة البصرة: قراءة تحليلية في ولادة «كتلة البصرة» وتداعياتها السياسية

شهدت محافظة البصرة تطوراً سياسياً مهماً يعكس عمق الإشكاليات البنيوية في إدارة الحكم المحلي، تمثّل باحتجاج عدد من أعضاء مجلس المحافظة على ما وصفوه بتعطيل الدور الرقابي للمجلس وتلكؤ تمرير المشاريع الخدمية. هذا الاحتجاج لم يبقَ في إطار المواقف الإعلامية، بل تُرجم عملياً بانسحاب مجموعة من الأعضاء من تحالف «تصميم» الذي يقوده محافظ البصرة أسعد العيداني، وتشكيل كيان سياسي جديد حمل اسم «كتلة البصرة».


خلفيات الانسحاب: أزمة رقابة أم صراع مصالح؟
المنسحبون برروا خطوتهم بأنها تهدف إلى إعادة الاعتبار للدور الرقابي للمجلس، الذي يُفترض أن يكون سلطة موازنة لأداء السلطة التنفيذية المحلية، لا ملحقاً بها. ويعكس هذا الخطاب وجود شعور متزايد لدى بعض أعضاء المجلس بأن التحالف الحاكم بات عاجزاً عن الفصل بين العمل التنفيذي والمصالح الحزبية، وأن المشاريع الخدمية أصبحت رهينة تفاهمات سياسية ضيقة، ما أدى إلى تباطؤ الإنجاز وفقدان ثقة الشارع.


هذا الطرح يشير إلى أزمة أعمق من مجرد خلاف إداري، إذ يكشف عن اختلال في العلاقة بين المحافظ ومجلس المحافظة، حيث يُتهم التحالف الذي يقوده المحافظ بتغليب منطق السيطرة السياسية على حساب الشفافية والرقابة المؤسسية.


تشكيل «كتلة البصرة»: إعادة تموضع سياسي
إعلان تشكيل «كتلة البصرة» من عشرة أعضاء بشكل ثابت، وانضمام أعضاء من تجمع العدالة والوحدة إليها، يعكس محاولة واضحة لإعادة رسم خارطة القوى داخل المجلس. فهذه الخطوة لا تمثل مجرد انسحاب احتجاجي، بل تؤسس لقطب سياسي جديد يسعى لفرض نفسه كلاعب مؤثر في معادلة اتخاذ القرار.


تصريحات عضو المجلس شكر العامري بعدم التراجع عن قرار الانسحاب تعزز فرضية أن الكتلة الجديدة ماضية في مشروعها، وأنها لا تنظر إلى هذه الخطوة كورقة ضغط مؤقتة، بل كخيار استراتيجي يهدف إلى كسر هيمنة التحالف السابق وخلق توازن سياسي جديد داخل المجلس.


البعد الديني – الاجتماعي للخلاف


محاولة المحافظ أسعد العيداني إقناع زعيم الطائفة الشيخية عبد العال الموسوي بالعدول عن دعم الانسحاب، ورفض الأخير لذلك، تضيف بعداً آخر للأزمة. فالموقف لا يقتصر على خلاف داخل مجلس منتخب، بل يمتد ليشمل مرجعيات اجتماعية ودينية لها ثقلها في المشهد المحلي.
تمسك الموسوي بموقفه يعكس عمق الخلافات، ويشير إلى أن الأزمة تجاوزت الحسابات السياسية الآنية، لتلامس مسألة الثقة والشرعية، وهو ما يزيد من صعوبة احتواء الموقف عبر حلول سريعة أو تسويات شكلية.


البصرة بين الثروة النفطية والأزمات الخدمية
يأتي هذا التحرك السياسي في وقت تعاني فيه البصرة، رغم ثروتها النفطية الهائلة، من تحديات خدمية مزمنة. هذا التناقض الدائم بين الإمكانيات الاقتصادية والواقع الخدمي يشكل أرضية خصبة للصراعات السياسية، حيث تتقاطع المصالح الحزبية مع مطالب الجمهور، وتُستخدم الملفات الخدمية كورقة ضغط أو كذريعة لإعادة التموضع.
المنشقون يراهنون على أن «كتلة البصرة» ستخلق مناخاً تنافسياً جديداً داخل المجلس، يقوم على تفعيل الرقابة على المشاريع والإنفاق، وهو رهان يرتبط بقدرتهم على تحويل الخطاب الرقابي إلى ممارسة فعلية، وليس مجرد أداة سياسية لمواجهة المحافظ.



تداعيات محتملة على موقع المحافظ


لا يمكن فصل هذا الانسحاب عن تأثيره المحتمل على موقع أسعد العيداني كمحافظ. ففقدان كتلة وازنة داخل المجلس يعني تراجع الغطاء السياسي الذي يستند إليه في تمرير القرارات والمشاريع، ويفتح الباب أمام ضغوط سياسية قد تصل إلى إعادة النظر في بقائه أو تقليص نفوذه التنفيذي.
ورغم الحديث عن مفاوضات جارية لاحتواء التداعيات، إلا أن طبيعة الخلاف، وتشابكه مع أبعاد سياسية واجتماعية، تجعل من الصعب العودة إلى نقطة الصفر، ما لم تُقدَّم تنازلات جوهرية تعالج أسباب الأزمة لا مظاهرها.


دلالات أوسع على المشهد المحلي العراقي


ما يجري في البصرة يعكس حالة أوسع من عدم استقرار التحالفات المحلية في العراق، حيث غالباً ما تُبنى التحالفات على أساس المصالح الآنية لا البرامج طويلة الأمد. ومع تعقّد التوازنات القبلية والسياسية، تصبح المجالس المحلية ساحات صراع مفتوحة، تتغير فيها الاصطفافات تبعاً لمعادلات القوة والملفات الخدمية.


إن ولادة «كتلة البصرة» ليست حدثاً معزولاً، بل مؤشر على أزمة ثقة متراكمة داخل منظومة الحكم المحلي. وبينما يرفع المنشقون شعار الرقابة والإصلاح، يبقى التحدي الحقيقي في قدرتهم على تحويل هذا الشعار إلى إنجاز ملموس يشعر به المواطن البصري. وفي المقابل، يواجه المحافظ أسعد العيداني اختباراً سياسياً صعباً، قد يحدد مستقبله الإداري والسياسي في واحدة من أكثر محافظات العراق حساسية و أهمية .



مركز صوت 2025