البصرة وخيار الإقليم من المطالب المحلية إلى المسار الدستوري..


عاد ملف تحويل محافظة البصرة إلى إقليم اتحادي ليتصدر المشهد السياسي العراقي خلال عام 2025، بعد تحركات رسمية وشعبية أعادت إحياء مشروع طالما طُرح في فترات سابقة ثم تراجع تحت وطأة الخلافات السياسية وتعقيدات المشهد الوطني. وجاءت هذه العودة في وقت تشهد فيه المحافظة نقاشًا واسعًا حول مستقبل إدارتها وعلاقتها بالحكومة الاتحادية، وسط أزمات خدمية ومالية متراكمة وتصاعد مطالب محلية بإيجاد صيغة إدارية مختلفة قادرة على معالجة الاختلالات المزمنة.


وتُعد البصرة من أكثر المحافظات حساسية في المعادلة العراقية نظرًا لموقعها الجغرافي وثقلها الاقتصادي، إذ تمثل المنفذ البحري الوحيد للعراق وتضم الموانئ الرئيسة وحقول النفط الأكبر التي تشكل المصدر الأساسي للإيرادات العامة، إلا أن هذا الدور لم ينعكس بشكل متوازن على واقع الخدمات والبنى التحتية، وهو ما دفع قطاعات واسعة من النخب المحلية إلى إعادة طرح خيار الإقليم بوصفه أحد الحلول الدستورية الممكنة ضمن النظام الاتحادي.


وشهد عام 2025 تحولًا لافتًا في طبيعة هذا الطرح، حيث أعلن محافظ البصرة ومجلسها المحلي دعمهم الرسمي لتحويل المحافظة إلى إقليم، مؤكدين أن الخطوة تستند إلى الدستور العراقي ولا تهدف إلى الانفصال أو الخروج عن إطار الدولة، بل إلى إعادة تنظيم العلاقة الإدارية والمالية مع بغداد بما يتيح صلاحيات أوسع لإدارة الموارد المحلية.


 وتزامن هذا الموقف مع حملات لجمع التواقيع وتهيئة الإجراءات القانونية اللازمة، ما اعتُبر انتقالًا من مرحلة النقاش النظري إلى مسار عملي قابل للتنفيذ.

و بحسب الإطار الدستوري، فإن إنشاء إقليم البصرة يمر بعدة مراحل تبدأ بتقديم طلب رسمي من الجهات المخولة، سواء من داخل مجلس المحافظة أو عبر المواطنين، ثم إحالة الطلب إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للتحقق من استيفاء الشروط القانونية، وصولًا إلى تنظيم استفتاء شعبي داخل المحافظة، وهو الاستحقاق الذي يُعد الفيصل في تقرير مصير المشروع، إذ يمنحه الشرعية أو يوقفه بناءً على نتائج التصويت.


ويرى مراقبون أن هذا المسار يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات محتملة، أولها نجاح المشروع عبر الاستفتاء والدخول في مرحلة تأسيس إقليم اتحادي بصلاحيات أوسع، وهو سيناريو قد يمنح البصرة قدرة أكبر على التخطيط والتنفيذ وتحسين إدارة مواردها، لكنه في الوقت نفسه يضعها أمام تحدي بناء مؤسسات فعالة وضمان عدم انتقال المشكلات الإدارية القائمة إلى مستوى إقليمي. 

أما السيناريو الثاني فيتمثل في تعثر المشروع أو فشله نتيجة انقسام الشارع أو غياب التوافق السياسي، وهو ما قد يعيد الملف إلى دائرة التأجيل دون معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهوره من الأساس.


كما يطرح سيناريو ثالث يتمثل في بقاء ملف الإقليم معلقًا دون حسم نهائي، حيث يستمر كأداة ضغط سياسية في العلاقة بين البصرة والحكومة الاتحادية، مقابل تسويات مؤقتة تتعلق بالتخصيصات المالية أو المشاريع الخدمية، وهو مسار يرى فيه محللون خطرًا يتمثل في استنزاف الفكرة وتحويلها إلى شعار سياسي أكثر من كونها مشروعًا إصلاحيًا متكاملًا.


وفي مقابل هذه السيناريوهات، يبرز جدل واسع حول جدوى الإقليم في ظل التحديات القائمة، إذ يشير معارضون إلى أن توسيع الصلاحيات لن يكون كافيًا ما لم يترافق مع إصلاحات مؤسسية حقيقية تعالج الفساد وضعف الرقابة، بينما يؤكد مؤيدون أن الإقليم قد يشكل فرصة لإعادة بناء العلاقة بين المركز والمحافظة على أسس أكثر عدالة ووضوحًا، خاصة إذا أُدير ضمن إطار قانوني صارم ورقابة فعالة.


وتعكس هذه التطورات نقاشًا أوسع حول مستقبل اللامركزية في العراق، حيث يُنظر إلى ملف إقليم البصرة بوصفه اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام الاتحادي على استيعاب مطالب المحافظات المنتجة للثروة دون الإضرار بوحدة الدولة أو تماسكها، وهو ما يجعل نتائج هذا الحراك موضع متابعة دقيقة من قبل الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء.


وبينما لم يُحسم المسار بعد، تبقى البصرة في قلب هذا الجدل بوصفها محافظة تبحث عن صيغة إدارية أكثر قدرة على ترجمة ثقلها الاقتصادي إلى واقع تنموي ملموس، في وقت يترقب فيه العراقيون ما ستؤول إليه تحركات 2025 وما إذا كانت ستقود إلى تغيير هيكلي في إدارة الدولة أم ستضاف إلى سلسلة الملفات المؤجلة في المشهد السياسي العراقي.


مركز صوت 2025